لم تعد الجزائر تخفي سر تسييرها وإشرافها على المخيمات، ولم يعد يهمها أمر “الدولة الصحراوية” الشقيقة ، وجبهة البوليساريو المستقلة، فكل شيء تفضحه الوقائع والدلائل اليومية.
خرج النظام الجزائري بقرار مجحف وغير مسبوق في حق ساكنة المخيمات، فبعد سلسلة الاجراءات الصارمة للحد من التنقل ، وفرض نظام التراخيص الصادر عن قيادة البوليساريو ، الذي حد من عدد السيارات التي يمكنها التنقل الى خارج المخيمات، وحصر التنقل في أيام محدودة، ما أدى الى غضب عارم بين صفوف المواطنين ، وتعطيل مصالحهم ومنع تبادل زياراتهم العائلية .
بعد كل ذلك ، يبدو أن القائمين على شؤون المخيم ( النظام الجزائري) رأوا أنه غير كاف ، ويحتاج لإجراءات إضافية تعجيزية ، فكانت المفاجأة الخروج بقرار يمنع أي تنقل كيفما كان الا بالحصول على “أمر بمهمة ” وليس هذا فقط بل ينبغي الحصول عليه من “السكتور” بمدينة تندوف الجزائرية ،حيث يسلم الامر بمهمة « ordre de mission » حصرا وفقط من السلطات الجزائرية ، ويصدر عن مكتب خاص بمدينة تندوف، تحت إشراف جزائري كامل .
تفاصيل القرار :
يوم أمس تفاجأ المتنقلون خارج المخيمات والمنضبطون لقرار التراخيص الصادر عن ما يسمى ” وزارة الداخلية ” التابعة لجبهة البوليساريو ، رغم ما أثار من غضب ، وردود فعل ساخطة، قبل أن تحل الكارثة يوم أمس بتفاجئهم بتعديل الاجراءات الى نظام جديد يتطلب الحصول على “أمر بمهمة ” صادر عن السلطات الجزائرية ولا تتحكم فيه قيادة البوليساريو ، وهو ما أثار الاحتجاج وذهبت مجموعة من الصحراويين لوزارة الداخلية التي ادعت أن القرار صادر عن الوزارة الأولى التي انتقلت اليها الاحتجاجات .
انتشر الخبر بين الصحراويين بالمخيمات وفي الخارج، واحتج كل بطريقته، متساءلين عن حقيقة ما تدعيه قيادة البوليساريو عن “الدولة ” والاستقلالية ، والمؤسسات الصحراوية، وحياد الحليف الجزائري، وعدم تدخله في شؤون المخيمات.
كل ذلك أصبح من الماضي لمن لا يزال يصدق به، فلا حركة ولا سكون الا بمعرفة جزائرية مسبقة، لكن ذلك كان يتم بتنسيق مع شركة البوليساريو المسؤولة عن تنظيم المخيمات وترتيب أمورها ، قبل أن يخرج المعني بالأمر “الجزائر” لتسيير أموره بنفسه، وهو ما تطرقنا اليه في مقال سابق ، حول تدخل الجزائر في المخيمات بعد غياب ابراهيم غالي ، وانتشار فوضى عارمة داخل مؤسسات البوليساريو ، اقتضت إشرافا مباشرا من الجزائر اصطدم بالتعامل مع أطر وقيادات الصف الثاني ، ممن لم يعتادوا التنسيق مع الجزائر، أو لم يكونوا على علم بحقيقة تحكمها الكلي في مفاصل المخيمات، وكانوا يظنون ان المخيمات تسير بهواهم وبتسيير صحراوي .
اليوم تمعن الجزائر في التضييق، وتطبق قبضتها على المخيمات، وقد أرسلت مباشرة بعد نقل ابراهيم غالي الى اسبانيا ، رسالة الى قيادة البوليساريو ممثلة في ما يعرف بالوزارة الأولى ، تدعوها الى الامتثال لأمر جديد يروم تنظيم الخروج من المخيمات، وضبطها تماشيا مع حالة الطوارئ وغياب زعيم البوليساريو وبعض رفاقه المرضى بكورونا .
لم يكن الأمر كما يبدو طلبا للتنظيم أو تأطير الخروج الذي سبق تأطيره بقرارات قيدت الحرية ، ومنعت التنقل السلس ، قبل أن يخرج القرار الجزائري الأخير ، الذي طالب قيادة البوليساريو بإحالة مسألة التراخيص وطلبات التنقل الى السلطات الجزائرية ، واشتراط حصول المتنقل على “أمر بمهمة ” .
في السابق كانت الجزائر تتسلم لوائح قادمة من قيادة البوليساريو ، ترخص على أساسها المرور للصحراويين المتنقلين الى الخارج عبر الموانئ الجزائرية وعند تجاوز الجمارك ، ومن لم يرد إسمه في اللائحة فلا يحلم بالخروج، فاضطر غالبية المهاجرين بالخصوص الى تغيير الوجهة الى التنقل عبر الأراضي الموريتانية لسهولة التنقل .
اليوم وبعد الاعلان عن الطريق بين موريتانيا الى الجزائر ومرور الطريق بمدينة تندوف، قامت السلطات الجزائرية ببناء نقطة مراقبة جديدة ، استغلتها في خنق المخيمات، وضبط الخروج منها ، واشتراط الحصول على إذن من ما يسمى “السكتور ” بتندوف.
أخيرا ، سلمت قيادة البوليساريو مفاتيح المخيمات للنظام الجزائري ، فهل يكون تسليما دائما ، أو مؤقتا ؟ ، قد لا نستطيع التكهن ، لكن ما نحن متأكدون منه ، أن الساكنة غاضبة حد الثورة ، ولن تقبل بهكذا قرار ، وقد بدأت المؤشرات الدالة على الرفض تظهر ، باتفاق المتواجدين بأوروبا من الجالية ، رفضها لزيارة المخيمات بعد إعلان فتح الحدود ، خوفا من حبسها بالمخيمات، وعدم تمكنها من التنقل خارجه بسبب هذ القرار.
ويبقى المتضرر الأكبر هم ساكنة المخيمات، وقاطنوا الأرياف والبوادي ، الذين لن يستطيعوا الحصول على “أمر بمهمة” ، خاصة من لا يملكون جوازات سفر موريتانية أو أوروبية تخول لهم التنقل الى موريتانيا أو الى الخارج ولو متأخرين.
“أمر بمهمة ” تعطيه الجزائر للعسكر والعاملين به، فكيف لآلاف المدنيين أن يحصلوا عليه بسهولة ومن داخل التراب الجزائري ، إنه العبث ، بل هو أمر مقصود يروم حصار ساكنة المخيمات، خوفا من الهروب ، أو التنقل لدواعي العمل أو زيارات عائلية، لكن في الخفاء ، هو قرار سجن جماعي في حق الاف من ساكنة المخيمات، الى حين استتباب الأمور للقيادة من جديد أو من ينوب عنها، في ظل فوضى عارمة ، وصراع خطير بين من تبقى من القيادة، ينذر بحدوث الأسوء في قادم الأيام تستبقه الجزائر بمحاولة التحكم في الأمور، ونبشر النظام الجزائري أن هذا القرار لن يدوم طويلا، فالصحراويون سيثورون ، لكنهم اليوم يعرفون على من يثورون ، على المعني الحقيقي بمعاناتهم ، والمتسبب الرئيس في سجنهم ومآسيهم، فإما انتصار أو خلاص ، وإن غدا لناظره لقريب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

‫شاهد أيضًا‬

هروب جماعي من مخيمات تندوف وسط تدخل عسكري جزائري لمنع النزوح

تشهد مخيمات تندوف في الآونة الأخيرة موجة هروب جماعية غير مسبوقة من قِبَل ساكنتها، حيث تتوج…